الخلق الحسن

الخلق الحسن

الذي يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ هو الرجلُ الشديدُ

الذي يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ هو الرجلُ الشديدُ، ففي صحيحِ ابنِ حبانَ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهُ قالَ: "ليسَ الشديدُ مَن غلبَ النّاسَ ولكنَّ الشّديدَ من غلَبَ نفسَه". هذا الحديثُ خفيفٌ على اللسانِ لكنَّ العملَ بهِ متروكٌ عندَ أكثرِ الناسِ، قليلٌ من يعملُ بهذا الحديثِ.

وهذا الحديثُ الذي ذكرنا إذا قرنَ الإنسانُ على العملِ بهِ يصلُ إلى درجةٍ عاليةٍ، فينبغي أن يُرَدِّدَهُ الإنسانُ في قلبِهِ على الدوامِ، على الاستمرارِ حتى يكبحَ لجامَ نفسِهِ الخبيثةِ ويؤدبَ نفسَهُ بهِ. الإنسانُ تعلو درجتُهُ عندَ اللهِ بحسبِ صبرِهِ، لذا علينا أن نعصيَ شيطانَنا لأنَّ الشيطانَ يحثُّ الإنسانِ على أن يكونَ هو الغالبَ إذا خاصمَ وإذا شاجرَ إنسانًا، يقولُ لهُ كنْ أنت الغالبَ لا تكن أنتَ المغلوبَ، فالخيرُ للإنسانِ أن يُخالِفَ شيطانَهُ وهوى نفسِهِ. من خالفَ شيطانَهُ وخالفَ هوى نفسِهِ فقد أفلحَ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى، هؤلاءِ الأولياءُ ما صاروا أولياءَ إلا بمخالفةِ النفسِ.

لا أدبَ أحسنَ من أدبِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ جزاهُ اللهُ أحسنَ الجزاءِ عن أمتِهِ، فإنَّ تعويدَ النفسِ على تحملِ أذى الغيرِ يكونُ وسيلةً إلى الدرجاتِ العلى وهو عظيمُ النفعِ في معاملةِ الناسِ بعضِهم بعضًا فإنَّ من كفَّ نفسَهُ عندَ الغضبِ أنقذَ نفسَهُ من مهالكَ كثيرةٍ، وهذا الأمرُ أي تركُ الغضبِ يحتاجُ إلى مخالفةِ النفسِ، لأنَّ النفسَ تحِبُّ أن تَعْلُوَ على الغيرِ بحيثُ إذا إنسانٌ سبَّهُ يريدُ أن ينتقمَ منهُ بأكثَر مما سبَّهُ أو بدلَ السَّبِّ

يضربُ وقد يقتُلُ. الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلمَ مدحَ الذي يغلِبُ نفسَهُ وقالَ إنَّهُ هو الشديدُ، أي مِن حيثُ المعنى هذا الذي غلبَ نفسَهُ هو الشديدُ. وذلكَ لأنَّ كثيرًا من الفسادِ والمعاصي تحدثُ من عدمِ كظمِ الغيظِ وحبِّ الاستعلاءِ على

الناسِ وحبِّ قهرِ الناسِ. فإذا الشخصُ عوّدَ نفسَهُ على أنْ يصبِرَ ويكظِمَ الغيظَ ولا يبالي بأنْ يُقالَ فيهِ "هذا عاجزٌ، هذا شُتِمَ فلم يردَّ، ضُرِبَ فلم يَضْرِبْ" هذا عندَ اللهِ أفضلُ. هذا القويُ عندَ اللهِ، هذا الغالبُ. الذي يكفُّ نفسَهُ يغلِبُ نفسَهُ أي لا ينتقمُ مع الاستطاعةِ، يستطيعُ أنْ يسُبَّ كما سُبَّ أو أزيدَ أو يضرِبَ كما ضُرِبَ أو أزيدَ لكنْ للهِ تعالى يغلِبُ نفسَهُ فيكفُّ عن الانتقامِ باللسانِ وبالفعلِ، هذا عندَ اللهِ تعالى أفضلُ؛ لأن الإنسانَّ إذا نظرَ إلى غضبِهِ واتَّبَعَ موجبَ الغضبِ يقعُ في المهالكِ. الغضبُ يُؤدي إلى هلاكٍ كبيرٍ، يُؤدِّي إلى قتلِ حبيبهِ وإلى قتلِ صديقِهِ وإلى قتلِ قريبهِ وإلى مقاطعةِ أهلِهِ وأصدقائِهِ، وأخبثُ ذلك أنه قد يؤدي إلى الكفرُ، الكفرُ ليسَ فوقَهُ شرٌّ، هو رأسُ الشرِّ. فطوبى لِمن عمِلَ بهذا الحديثِ.